فصل: باب الاعتكاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب الاعتكاف

* حكم الاعتكاف‏.‏

* حكم الاعتكاف بلا صوم‏.‏

* اعتكاف المرأة‏.‏

* تضعيف الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى‏.‏

* حكم خروج المعتكف‏.‏

* مستحبات الاعتكاف‏.‏

354 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الاعتكاف وحكمه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف هو لزوم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه وتعالى، لينفرد به عن الناس، ويشتغل بطاعة الله، ويتفرغ لذلك، وهو في كل مسجد، سواء كان في مسجد تقام فيه الجمعة، أو في مسجد لا تقام فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجد تقام فيه، حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة‏.‏

* * *

454 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل للاعتكاف أقسام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف ليس إلا قسماً واحداً، وهو كما أسلفنا لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل، لكن قد يكون أحياناً بصوم، وقد لا يكون بصوم، وقد اختلف أهل العلم‏:‏ هل يصح الاعتكاف بدون صوم، أو لا يصح إلا بصوم، ولكن الاعتكاف المشروع إنما هو ما كان في ليالي العشر عشر من رمضان، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف هذه العشر رجاءً لليلة القدر، ولم يعتكف في غيرها إلا سنة لم يعتكف في رمضان، فقضاه في شوال‏.‏

* * *

554 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم الاعتكاف‏؟‏ وهل يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة والأكل وكذلك الخروج للتداوي‏؟‏ وما هي سنن الاعتكاف‏؟‏ وكيفية الاعتكاف الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف لزوم المساجد للتخلي لطاعة الله عز وجل، وهو مسنون لتحري ليلة القدر، وقد أشار الله تعالى إليه في القرآن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، واعتكف أصحابه معه، وبقي الاعتكاف مشروعاً لم ينسخ، ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ ‏"‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده‏"‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال‏:‏ ‏"‏إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ‏(‏يعني ليلة القدر‏)‏ ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي‏:‏ إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف‏"‏‏.‏ فاعتكف الناس معه‏.‏ وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ‏:‏ لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون‏.‏

وعلى هذا يكون الاعتكاف مسنوناً بالنص والإجماع‏.‏

ومحله المساجد التي تقام فيها الجماعة في أي بلد كان لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏‏.‏ والأفضل أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة، لئلا يحتاج إلى الخروج إليها، فإن اعتكف في غيره فلا بأس أن يبكر إلى صلاة الجمعة‏.‏

وينبغي للمعتكف أن يشتغل بطاعة الله ـ عز وجل ـ من صلاة وقراءة قرآن، وذكر الله ـ عز وجل ـ، لأن هذا هو المقصود من الاعتكاف، ولا بأس أن يتحدث إلى أصحابه قليلاً، لاسيما إذا كان في ذلك فائدة‏.‏

ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته‏.‏

وأما خروجه من المسجد فقد قسمه الفقهاء إلى ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ جائز، وهو الخروج لأمر لابد منه شرعاً، أو طبعاً، كالخروج لصلاة الجمعة، والأكل، والشرب إن لم يكن له من يأتيه بهما، والخروج للوضوء، والغسل الواجبين، ولقضاء حاجة البول والغائط‏.‏

القسم الثاني‏:‏ الخروج لطاعة لا تجب عليه كعيادة المريض، وشهود الجنازة، فإن اشترطه في ابتداء اعتكافه جاز، وإلا فلا‏.‏

القسم الثالث‏:‏ الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء، وجماع أهله ونحو ذلك فهذا لا يجوز لا بشرط، ولا بغير شرط‏.‏

654 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن حكم الاعتكاف في شهر رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف في رمضان سنة فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، واعتكف أزواجه من بعده، وحكى أهل العلم إجماع العلماء على أنه مسنون، ولكن الاعتكاف ينبغي أن يكون على الوجه الذي من أجله شرع وهو أن يلزم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه وتعالى، بحيث يتفرغ من أعمال الدنيا إلى طاعة الله، بعيداً عن شؤون دنياه، ويقوم بأنواع الطاعة من صلاة وقرآن وذكر وغير ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف ترقباً لليلة القدر، والمعتكف يبعد عن أعمال الدنيا فلا يبيع ولا يشتري، ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد منه، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضاً، وأما ما يفعله بعض الناس من كونهم يعتكفون ثم يأتي إليهم الزوار أثناء الليل وأطراف النهار، ويضيعون أوقاتهم بما لا فائدة فيه، وقد يتخلل ذلك أحاديث محرمة، فذلك مناف لمقصود الاعتكاف، ولكن إذا زاره أحد من أهله وتحدث عنده فذلك لا بأس به، فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن زوجته صفية ـ رضي الله عنها ـ زارته وهو معتكف فتحدث معها، المهم أن يجعل الإنسان اعتكافه تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وينتهز فرصة خلوته في طاعة الله عز وجل‏.‏

754 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما الحكم إذا لم يسمح الوالد لولده بالاعتكاف وبأسباب غير مقنعة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف سنة، وبر الوالدين واجب، والسنة لا يسقط بها الواجب، ولا تعارض الواجب أصلاً، لأن الواجب مقدم عليها، وقد قال تعالى في الحديث القدسي‏:‏ ‏"‏ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه‏"‏ فإذا كان أبوك يأمرك بترك الاعتكاف ويذكر أشياء تقتضي أن لا تعتكف، لأنه محتاج إليك فيها، فإن ميزان ذلك عنده وليس عندك، لأنه قد يكون الميزان عندك غير مستقيم وغير عدل، لأنك تهوى الاعتكاف، فتظن أن هذه المبررات ليست مبرراً، وأبوك يرى أنها مبرر، فالذي أنصحك به أن لا تعتكف، لكن لو لم يذكر مبررات لذلك، فإنه لا يلزمك طاعته في هذه الحال؛ لأنه لا يلزمك أن تطيعه في أمر ليس فيه منفعة له، وفيه تفويت منفعة لك‏.‏

* * *

854 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يشرع الاعتكاف في غير رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المشروع أن يكون في رمضان فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان إلا ما كان منه في شوال حين ترك الاعتكاف عاماً في رمضان فاعتكف في شوال، ولكن لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً، لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏إني نذرت أن أعتكف ليلة، أو يوماً في المسجد الحرام‏"‏ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏ لكن لا يؤمر الإنسان ولا يطلب منه أن يعتكف في غير رمضان‏.‏

* * *

954 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، والمساجد الثلاثة هي‏:‏ المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ودليل ذلك عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏ فإن هذه الا?ية خطاب لجميع المسلمين، ولو قلنا‏:‏ إن المراد بها المساجد الثلاثة لكان أكثر المسلمين لا يخاطبون بهذه الا?ية، لأن أكثر المسلمين خارج مكة والمدينة والقدس، وعلى هذا فنقول‏:‏ إن الاعتكاف جائز في جميع المساجد، وإذا صح الحديث أنه‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة‏"‏ فإن المراد الاعتكاف الأكمل والأفضل، ولا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل من غيره، كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، فالصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة‏.‏

* * *

064 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن حكم الاعتكاف في المساجد الثلاثة‏:‏ المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وجزاكم الله خيراً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى مشروع في وقته، ولا يختص بالمساجد الثلاثة، بل يكون فيها وفي غيرها من المساجد، هذا قول أئمة المسلمين أصحاب المذاهب المتبوعة كالإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم ـ رحمهم الله ـ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏ ولفظ المساجد عام لجميع المساجد في أقطار الأرض، وقد جاءت هذه الجملة في آخر آيات الصيام الشامل حكمها لجميع الأمة في جميع الأقطار، فهي خطاب لكل من خوطبوا بالصوم، ولهذا ختمت هذه الأحكام المتحدة في السياق والخطاب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏‏.‏ ومن البعيد جداً أن يخاطب الله الأمة بخطاب لا يشمل إلا أقل القليل منهم، أما حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة‏"‏ فهذا ـ إن سلم من القوادح ـ فهو نفي للكمال، يعني أن الاعتكاف الأكمل ما كان في هذه المساجد الثلاثة، وذلك لشرفها وفضلها على غيرها‏.‏ ومثل هذا التركيب كثير، ـ أعني أن النفي قد يراد به نفي الكمال، لا نفي الحقيقة والصحة ـ مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا صلاة بحضرة طعام‏"‏ وغيره‏.‏ ولا شك أن الأصل في النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية أو الحسية، لكن إذا وجد دليل يمنع ذلك تعين الأخذ به، كما في حديث حذيفة‏.‏ هذا على تقدير سلامته من القوادح، والله أعلم‏.‏

كتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين في 11/9/9041هـ‏.‏

* * *

164 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن أركان الاعتكاف وشروطه، وهل يصح بلا صوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف ركنه كما أسلفت لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل تعبداً له، وتقرباً إليه، وتفرغاً لعبادته، وأما شروطه فهي شروط بقية العبادات فمنها‏:‏ الإسلام، والعقل، ويصح من غير البالغ، ويصح من الذكر، ومن الأثنى، ويصح بلا صوم، ويصح في كل مسجد‏.‏

* * *

264 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ المرأة إذا أرادت الاعتكاف فأين تعتكف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المرأة إذا أرادت الاعتكاف فإنما تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وإن كان في ذلك محذور شرعي فلا تعتكف‏.‏

* * *

364 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ تفضيل الصلاة في المسجد الحرام هل يشمل النفل والفريضة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يشمل النفل والفريضة، فكل صلاة في المسجد الحرام خير من مئة ألف صلاة فيما عداه، فمثلاً تحية المسجد إذا دخلت المسجد الحرام خير من مئة ألف تحية فيما عداه‏.‏

وهنا مسألة‏:‏ وهي هل تحية المسجد الحرام الطواف، أو تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين‏؟‏

اشتهر عند كثير من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحيته الطواف لمن أراد أن يطوف، فإذا دخل الإنسان المسجد الحرام يريد الطواف فإن طوافه يغني عن تحية المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام للطواف ولم يصل التحية‏.‏ لكن إذا دخل المسجد الحرام بنية انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبه ذلك فإن تحيته أن يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين‏"‏ وهذا يشمل المسجد الحرام‏.‏

464 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ من جاء للحج أو العمرة وصلى في مساجد مكة فهل يدرك من المضاعفة في تلك المساجد ما يدركه في المسجد الحرام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يدرك من المضاعفة ما يدركه من المسجد الحرام، لأنه ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة‏"‏ فخص ذلك بمسجد الكعبة‏.‏

* * *

564 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام خاص بالمسجد أو يعم سائر الحرم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ تضعيف الأجر في الصلاة في المسجد الحرام خاص بالمسجد الذي فيه الكعبة فقط، ولا يشمل ذلك جميع الحرم، لما رواه مسلم في صحيحه باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة عن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏صلاة فيه ـ أي المسجد النبوي ـ أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة‏"‏‏.‏ هذا هو القول الراجح، وهو ظاهر كلام أصحابنا فقهاء الحنابلة، كما ذكر ذلك صاحب الفروع عنهم، قال في الفروع ‏(‏ص 006 ج 1 ط آل ثاني‏)‏‏:‏ وظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنه نفس المسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحل فالصلاة فيه أفضل‏.‏ اهـ‏.‏ وذلك لأن المسجد الحرام عند الإطلاق يختص بالمسجد الذي فيه الكعبة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ صدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما‏}‏ ولم يصدوه عن الحرم، وكقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى‏"‏‏.‏ فإن المرء لو شد الرحل إلى مسجد الشعب، أو مسجد الجودرية، أو مسجد الخيف، أو غيرهن من مساجد الحرم لم يكن له ذلك، فإذا كان شد الرحل خاصًّا بالمسجد الذي فيه الكعبة كان التضعيف خاصًّا به أيضاً، لأنه إنما جاز شد الرحل من أجل هذا التضعيف ليدركه من شد الرحل، ولكن لا شك أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل، إلا أنه ليس فيها التضعيف الذي في المسجد الحرام‏.‏ هذا هو القول الراجح‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أن التضعيف يشمل جميع الحرم، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير‏}‏ وقد روي أنه أسري به من بيت أم هانىء‏.‏ واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحديبية مقيماً في الحل ويصلي في الحرم‏.‏ ولكن لا دلالة فيما ذكروا لقولهم، لأن الا?ية الأولى قال فيها سبحانه‏:‏ ‏{‏فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم‏}‏ لم يقل‏:‏ فلا يدخلوا‏.‏ وعليه فالمراد بالمسجد الحرام فيها مسجد الكعبة نهوا عن قربانه، وذلك بأن لا يدخلوا حدود الحرم، ولو كان المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم لكان المشركون منهيين عن قربان الحرم، لا عن الدخول فيه، ولكان بين حدود الحرم والمكان المباح لهم مسافة تفصل بينهم وبين الحرم، بحيث لا يكونون قريبين منه‏.‏

وأما الا?ية الثانية فإن المراد بالمسجد الحرام فيها مسجد الكعبة أيضاً، وذلك لأن الرواية الصحيحة أنه أسري به من الحجر لا من بيت أم هانىء‏.‏

* * *

664 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هناك بعض الناس يقدمون من مناطق مختلفة ليعتكفوا العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام، ولكنهم يتركون السنن الرواتب أرجو التفصيل والله يحفظكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ في الحقيقة أن الإنسان إذا منّ الله عليه أن يصل إلى هذا المسجد فإنه ينبغي له أن يكثر من الصلاة، سواء كانت من الصلاة المشروعة، أو من الصلوات الأخرى الجائزة، والإنسان الذي يكون في هذا المكان أمامه النوافل المطلقة يعني إذا قلنا‏:‏ إن المسافر لا يصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء فليس معنى ذلك أن نقول‏:‏ لا تصلي أبداً بل نقول‏:‏ صلِّ وأكثر من الصلاة، والصلاة خير موضوع، وهي كما قال ـ عز وجل ـ‏:‏ ‏{‏ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ‏}‏، ولهذا نحن نحث إخواننا على أن يكثروا من النوافل والصلاة في هذا المسجد وإن كانوا مسافرين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمنعه السفر من أن يتطوع بالصلاة، بل كان عليه الصلاة والسلام يدع سنة الظهر، وسنة العشاء، وسنة المغرب، وباقي النوافل باقية على استحبابها، وحينئذ لا يكون في المسألة إشكال‏.‏

* * *

764 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يضاعف أجر الصوم في مكة كما حصل في أجر الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جوابنا على هذا السؤال أن نقول‏:‏ الصلاة في مكة أفضل من الصلاة في غيرها بلا ريب، ولهذا ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان مقيماً في الحديبية في غزوة الحديبية كان في الحل، ولكنه يصلي داخل أميال الحرم، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أي داخل أميال الحرم أفضل من الصلاة في الحل، وذلك لفضل المكان، وقد أخذ العلماء من ذلك قاعدة قالوا فيها‏:‏ ‏"‏إن الحسنات تضاعف في كل مكان أو زمان فاضل‏"‏ كما أن الحسنات تتضاعف باعتبار العامل كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏"‏ إذاً فالعبادات تتضاعف باعتبار العامل، وباعتبار الزمان والمكان، كما تختلف أيضاً في ثوابها باعتبار جنسها وهيئتها‏.‏ وقد أخذ أهل العلم من ذلك أن الصيام يضاعف في مكة، ويكون أفضل من الصيام في غيرها، وذلك لشرف مكانه، على أن الصيام إمساك وليس بعمل يحتاج إلى زمان ومكان، سوى الزمان الذي شرع فيه وهو من طلوع الفجر الثاني إلى مغيب الشمس، وقد ورد في حديث عند ابن ماجه بسند ضعيف ‏"‏أن من صام رمضان بمكة وقام ما تيسر منه كتب له أجر مئة ألف رمضان‏"‏ وهذا إسناده ضعيف، ولكنه يستأنس به، ويدل على أن صوم رمضان في مكة أفضل من صومه في غيرها‏.‏

* * *

864 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل تتضاعف السيئات في مكة وما كيفية مضاعفتها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المضاعفة في مكة بالنسبة للسيئات ليست من ناحية الكمية، ولكنها تتضاعف من ناحية الكيفية، بمعنى أن العقوبة تكون أشد وأوجع، والدليل أنها لا تضاعف كمية قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ‏}‏، وهذه الا?ية مكية، لأنها في سورة الأنعام، لكن كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ‏}‏ يعني أن إيلام العقوبـة في مكة أشد من إيلام العقوبة إذا فعلت هذه المعصية خارج مكة‏.‏ وفي هذا التحذير الشديد من المعاصي في مكة‏.‏

* * *

964 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ متى يبتدىء الاعتكاف‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين مستدلاًّ بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عند البخاري‏:‏ ‏"‏فلما صلى الصبح دخل معتكفه‏"‏ لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس، وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل، لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين‏.‏

* * *

074 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ متى يخرج المعتكف من اعتكافه أبعد غروب شمس ليلة العيد أم بعد فجر يوم العيد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد‏.‏

* * *

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

كتابكم الكريم المؤرخ 21 من الشهر الحالي وصل، وإليكم جواب الأسئلة التي فيه، سائلين الله تعالى أن يلهمنا الصواب‏.‏

المسألة الأولى‏:‏ دخول المعتكف للعشر الأواخر يكون دخوله عند غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، وذلك لأن ذلك وقت دخول العشر الأواخر، وهذا لا يعارضه حديث عائشة ولا حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ لأن ألفاظهما مختلفة، فيؤخذ بأقربها إلى المدلول اللغوي، وهو ما رواه البخاري من حديث عائشة أول حديث في ‏(‏باب الاعتكاف في شوال‏)‏ ص 382 ج 4 من الفتح‏)‏ قالت‏:‏ ‏"‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه‏"‏، الحديث‏.‏ وما رواه من حديث أبي سعيد ‏(‏ثاني حديث في ‏(‏باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر‏)‏ ص 952 منه‏)‏ قال‏:‏ ‏"‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله، ثم قال‏:‏ ‏"‏كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه‏"‏، قال‏:‏ ‏"‏وقد رأيتني أسجد في ماء وطين‏"‏، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلىء طيناً وماء‏.‏

ففي حديث عائشة‏:‏ ‏"‏دخل مكانه الذي اعتكف فيه‏"‏ وهو يقتضي أنه سبق مكثه دخوله، لأن قولها‏:‏ ‏"‏اعتكف‏"‏ فعل ماض، والأصل استعماله في حقيقته‏.‏

وفي حديث أبي سعيد‏:‏ ‏"‏فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين‏"‏ والمساء آخر النهار وهو وقت استقبال الليلة التالية، وعلى هذا فتكون خطبته آخر نهار يوم العشرين، ويؤيده الرواية الثانية في حديثه وهو الحديث الثالث من ‏(‏باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها‏)‏ ص 172 منه، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين قال‏:‏ ‏"‏من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها‏"‏، قال‏:‏ فمطرت السماء تلك الليلة فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين‏.‏

174 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن أقسام خروج المعتكف من معتكفه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ خروج المعتكف من معتكفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ أن يكون خروجاً لما ينافي الاعتكاف كما لو خرج ليجامع أهله، أو خرج ليبيع ويشتري وما أشبه ذلك مما هو مضاد للاعتكاف ومنافٍ له، فهذا الخروج لا يجوز وهو مبطل للاعتكاف، سواء شرطه أم لم يشترطه، ومعنى قولنا‏:‏ ‏"‏لا يجوز‏"‏ أنه إذا وقع في الاعتكاف أبطله، وعلى هذا فإذا كان الاعتكاف تطوعاً وليس بواجب بنذر فإنه إذا خرج لا يأثم، لأن قطع النفل ليس فيه إثم ولكنه يبطل اعتكافه فلا يبنى على ما سبق‏.‏

القسم الثاني‏:‏ من خروج المعتكف‏:‏ أن يخرج لأمر لابد له منه وهو أمر مستمر كالخروج للأكل إذا لم يكن له من يأتِ به، والخروج لقضاء الحاجة إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته، وما أشبه ذلك من الأمور التي لابد منها وهي أمور مطردة مستمرة فهذا الخروج له أن يفعله، سواء اشترط ذلك أم لم يشترطه، لأنه وإن لم يشترط في اللفظ فهو مشترط في العادة، فإن كل أحدٍ يعرف أنه سيخرج لهذا الأمور‏.‏

القسم الثالث‏:‏ ما لا ينافي الاعتكاف، ولكنه له منه بد، مثل الخروج لتشييع جنازة، أو لعيادة مريض، أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك مما هو طاعة، ولكنه له منه بد، فهذا يقول أهل العلم‏:‏ إن اشترطه في ابتداء اعتكافه فإنه يفعله، وإن لم يشترطه، فإنه لا يفعله، فهذا هو ما يتعلق بخروج المعتكف من المسجد‏.‏ والله أعلم‏.‏

* * *

274 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما مستحبات الاعتكاف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ مستحباته أن يشتغل الإنسان بطاعة الله عز وجل من قراءة القرآن والذكر والصلاة وغير ذلك، وأن لا يضيع وقته فيما لا فائدة فيه، كما يفعل بعض المعتكفين تجده يبقى في المسجد يأتيه الناس في كل وقت يتحدثون إليه ويقطع اعتكافه بلا فائدة، وأما التحدث أحياناً مع بعض الناس أو بعض الأهل فلا بأس به، لما ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانت صفية ـ رضي الله عنها ـ تأتي إليه فتتحدث إليه ساعة ثم تنقلب إلى بيتها‏.‏

* * *

374 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عما ينبغي أن يفعله المعتكف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المعتكف كما أسلفنا يلتزم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل وعبادته، فينبغي أن يكون أكثر همه اشتغاله بالقربات من الذكر وقراءة القرآن وغير ذلك، ولكن المعتكف أفعاله تنقسم إلى أقسام‏:‏ قسم مباح، وقسم مشروع ومستحب، وقسم ممنوع‏.‏

فأما المشروع‏:‏ فهو أن يشتغل بطاعة الله وعبادته والتقرب إليه، لأن هذا لب الاعتكاف والمقصود منه، ولذلك قيد بالمساجد‏.‏

وقسم آخر وهو القسم الممنوع وهو ما ينافي الاعتكاف مثل أن يخرج الإنسان من المسجد بلا عذر، أو يبيع، أو يشتري، أو يجامع زوجته، ونحو ذلك من الأفعال التي تبطل الاعتكاف لمنافاتها لمقصوده‏.‏

وقسم ثالث جائز مباح، كالتحدث إلى الناس والسؤال عن أحوالهم وغير ذلك مما أباحه الله تعالى للمعتكف، ومنه خروجه لما لابد له منه كخروجه لإحضار الأكل والشرب إذا لم يكن له من يحضرهما، وخروجه إلى قضاء الحاجة من بول وغائط، وكذلك خروجه لأمر مشروع واجب، بل هذا واجب عليه كما لو خرج ليغتسل من الجنابة‏.‏

وأما خروجه لأمر مشروع غير واجب فإن اشترطه فلا بأس، وإن لم يشترطه فلا يخرج، وذلك كعيادة المريض وتشييع الجنازة وما أشبههما، فله أن يخرج لهذا إن اشترطه، وإذا لم يشترطه فليس له أن يخرج، ولكن إذا مات له قريب، أو صديق وخاف إن لم يخرج أن يكون هناك قطيعة رحم أو مفسدة، فإنه يخرج ولو بطل اعتكافه، لأن الاعتكاف المستحب لا يلزم المضي فيه‏.‏

* * *

474 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز للمعتكف التنقل في أنحاء المسجد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز للمعتكف أن يتنقل في أنحاء المسجد من كل جهة، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ‏}‏ وفي للظرفية فتشمل جميع أنحاء المسجد‏.‏

* * *

574 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ أنا معتكفة في المسجد الحرام، وكنت أبحث عن أخت لي أحببتها في الله، وكنت أتمنى رؤيتها منذ سنوات، واليوم قدر الله لي أن رأيت أخواتها، وأرادوا أن يذهبوا بي إلى بيتها لرؤيتها، وإذا لم أرها اليوم ربما لا أستطيع رؤيتها بعد ذلك بسهولة، وهي لا تستطيع أن تأتي إلى المسجد بسبب الحيض فأرجو إجابتي الا?ن، وهل يعتبر خروجي من الاعتكاف لرؤيتها ضرورة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أولاً‏:‏ يجب أن نعلم أن الاعتكاف سنة، يعني لو أن الإنسان أبطله بدون عذر فلا إثم عليه، فالا?ن اعتكاف العشر الأواخر سنة لا شك فيه، ولكن لو أن الإنسان خرج من المسجد وأبطل الاعتكاف فلا شيء عليه، لأنه سنة، والسنة يجوز للإنسان أن يدعها ولو بلا عذر، لكنه لا ينبغي أن يدعها بلا عذر‏.‏ وهذه المرأة التي تقول‏:‏ إنها تحب أن تقابل أختاً لها في الله، ولكن ذلك لا يتيسر لها، إلا إذا خرجت من الاعتكاف، نقول لها‏:‏ الأفضل أن تبقي في اعتكافك وإن خرجت فلا حرج عليك، ولكن الاعتكاف يبطل؛ لأن الخروج لغير ضرورة في الاعتكاف يبطل الاعتكاف‏.‏

* * *

674 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز للمعتكف أن يذهب إلى منزله لتناول الطعام والاغتسال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز للمعتكف أن يذهب إلى منزله لتناول الطعام إذا لم يكن عنده من يحضر الطعام إليه، فإن كان عنده من يحضر الطعام إليه في المسجد فإنه لا يخرج، لأن المعتكف لا يخرج إلا لأمر لابد له منه‏.‏

وأما الاغتسال فإن كان من جنابة وجب عليه أن يخرج، لأنه لابد من الاغتسال، وإن كان عن غير جنابة للتبرد فلا يخرج، لأن هذا أمر له منه بد، وإن كان لإزالة رائحة يشق عليه بقاؤها فله الخروج، فصار الخروج للاغتسال ثلاثة أقسام‏:‏ واجباً، وجائزاً، وممنوعاً‏.‏

* * *

774 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ شخص عليه التزامات لأهله فهل الأفضل له أن يعتكف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاعتكاف سنة وليس بواجب، ومع ذلك إذا كان على الإنسان التزامات لأهله فإن كانت الالتزامات واجبة عليه وجب عليه القيام بها، وكان آثماً بالاعتكاف الذي يحول دونها، وإن كانت غير واجبة فإن قيامه بتلك الالتزامات قد يكون أفضل من الاعتكاف، فهذا عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ أنت قلت ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صم وأفطر، ونم وقم، فإن لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا‏"‏ فكون الإنسان يدع التزاماته ليعتكف قصور منه في العلم، وقصور في الحكمة أيضاً، لأن قيام الإنسان بحاجة أهله أفضل من كونه يعتكف، أما الإنسان المتفرغ فالاعتكاف في حقه مشروع، فإذا كان عليه التزامات في أول العشر ولكنه يفرغ منها في أثنائها، وأراد أن يعتكف البقية فلا بأس، لأنه يدخل في قوله‏:‏ ‏{‏ فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ‏}‏‏.‏

* * *

874 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ متى يخرج المعتكف من معتكفه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يخرج المعتكف إذا انتهى رمضان، ورمضان ينتهي بغروب الشمس ليلة العيد، فإذا غربت الشمس ليلة العيد انتهى وقت الاعتكاف، كما أنه يدخل المعتكف عند غروب الشمس ليلة العشرين من رمضان، فإن العشر الأواخر تبتدىء بغروب الشمس ليلة العشرين من رمضان وتنتهي بغروب الشمس ليلة العيد‏.‏

* * *

974 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج بعض المسلمين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء حوائج بعض المسلمين إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه، لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنيًّا بها فلا يعتكف، لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها متعدٍّ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجبات الإسلام‏.‏

* * *

084 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يطوف حول الكعبة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المعتكف له أن يذهب ويجيء مادام في المسجد الذي اعتكف فيه، فله أن ينتقل من جهة إلى جهة، وله أن يصلي في أي مكان من المسجد، وله إذا كان في المسجد الحرام أن يطوف، لأنه ليس معنى الاعتكاف أن الإنسان يبقى في نفس المكان لا يتعداه، ولكن معنى الاعتكاف أن يكون ملازماً للمسجد‏.‏

* * *

184 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا دعي المدرس المعتكف إلى اجتماع في المدرسة فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان هذا الاجتماع الذي قرر في المدرسة إذا كان معلوماً قبل دخول الاعتكاف واشترط الإنسان أن يخرج له فلا بأس، أما إذا لم يكن معلوماً فإن دعي الإنسان إلى حضور هذا الاجتماع فيخرج من الاعتكاف، لأن دعوة ولي الأمر مدير المدرسة في هذا تقتضي أن يحضر الإنسان ويكون له الأجر فيما سلف من الاعتكاف، وأصل الاعتكاف سنة وليس بواجب، فللإنسان أن يخرج من الاعتكاف بدون أي سبب، لأن جميع العبادات التي ليست بواجبة يجوز للإنسان أن يخرج منها بدون سبب إلا عبادة الحج والعمرة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ‏}‏ لكن أهل العلم يقولون‏:‏ يكره أن يخرج من التطوع إلا لغرض صحيح‏.‏

* * *

284 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل للمعتكف في الحرم أن يخرج للأكل أو الشرب‏؟‏ وهل يجوز له الصعود إلى سطح المسجد لسماع الدروس‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم، يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أو غيره أن يخرج للأكل والشرب، إن لم يكن في إمكانه أن يحضرهما إلى المسجد، لأن هذا أمر لابد منه، كما أنه سوف يخرج لقضاء الحاجة، وسوف يخرج للاغتسال من جنابة إذا كانت عليه الجنابة‏.‏

وأما الصعود إلى سطح المسجد فهو أيضاً لا يضر لأن الخروج من باب المسجد الأسفل إلى السطح ما هي إلا خطوات قليلة ويقصد بها الرجوع إلى المسجد أيضاً، فليس في هذا بأس‏.‏

384 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم التزام مكان معين في المسجد الحرام لغير المعتكف ليصلي فيه طيلة شهر رمضان مع وضعه للوسائد والفرش على الأعمدة في الحرم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المسجد الحرام كغيره من المساجد يكون لمن سبق، ولا يحل لأحد خارج المسجد أن يتحجر مكاناً له في المسجد‏.‏

أما إذا كان في نفس المسجد، ولكنه أحب أن يبتعد عن ضوضاء الناس وجلس في مكان واسع فإذا قربت الصلاة جاء ليصلي في مكانه الذي احتجزه فهذا لا بأس به، لأن له الحق في أن يجلس في أي مكان في المسجد، ولكن إذا قدرنا أنه يضع شيئاً ثم ذهب ليصلي في مكان آخر أوسع له، ثم لحقته الصفوف فإنه يجب عليه أن يتقدم إلى مكانه، أو يتأخر لمكان واسع، لأنه إذا وصلته الصفوف وكان في مكانه هذا فقد اتخذ لنفسه مكاناً آخر من المسجد، والإنسان لا يملك أن يتخذ مكانين له‏.‏

وأما التزام مكان معين لا يصلي إلا فيه فإن هذا منهي عنه، بل ينبغي للإنسان أن يصلي حيث ما وجد المكان‏.‏

* * *

484 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم المبيت في المسجد عموماً وفي الاعتكاف خصوصاً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المبيت في المسجد في الاعتكاف لابد منه، لأن المعتكف كما قال الله تعالى محله المسجد ‏{‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏‏.‏

وأما غير المعتكف فإنه يجوز للإنسان أن ينام في المسجد أحياناً عند الحاجة، وأما اتخاذه مناماً دائماً فهذا ليست مما بنيت المساجد من أجله، المساجد بنيت لإقامة الصلاة، وقراءة القرآن والعلم، لكن لا بأس أن يتخذه الإنسان أحياناً مكاناً ينام فيه‏.‏

* * *

584 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا ارتكب المعتكف شيئاً لا يجوز في الاعتكاف فهل يبطل اعتكافه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم إذا ارتكب المعتكف شيئاً يبطل الاعتكاف فإن اعتكافه يبطل، ولا ينبني آخره على أوله، وليس كل شيء محرم يبطل الاعتكاف، بل هناك أشياء خاصة تبطل الاعتكاف، فالمعتكف مثلاً لو أنه اغتاب أحداً من الناس فقد فعل محرماً، ومع ذلك فإن اعتكافه لا يبطل، إلا أن أجره ينقص‏.‏

وخلاصة الجواب‏:‏ أن الإنسان المعتكف إذا فعل ما يبطل الاعتكاف فمعناه أن آخر اعتكافه لا ينبني على أوله، ولا يكتب له أجر من اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وذلك لأنه أبطل ما سبق‏.‏ والله أعلم‏.‏

* * *

684 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان وأراد الخروج في الليلة الأخيرة فهل عليه حرج‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ من المعلوم أن الاعتكاف في العشر الأواخر ليس بواجب إلا لمن نذره، فإنه يجب عليه أن يوفي بنذره، لأنه طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من نذر أن يطيع الله فليطعه‏"‏‏.‏ وإذا لم يكن نذره وقطعه في آخر يوم أو قبله فلا إثم عليه، ولكن من أحب أن يكمله حتى يحصل على سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يخرج من معتكفه حتى يثبت دخول شهر شوال، فإذا ثبت دخوله بإتمام رمضان ثلاثين يوماً، أو بشهادة يثبت بها دخول شوال، فقد انقضى زمن الاعتكاف، فليخرج الإنسان من معتكفه، ويكون بذلك قد أدى السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بعض السلف استحب أن يبقى في معتكفه حتى يخرج لصلاة العيد، واستحب بعض العلماء أن لا يتجمل المعتكف ويصلي بثياب اعتكافه، ولكن هذا غير صحيح، فالمعتكف يتجمل للعيد كما يتجمل غيره من الناس، والله أعلم‏.‏

* * *

ختم القرآن في رمضان

784 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان‏.‏

884 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ ينبغي للإنسان إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فهل لهذا القول دليل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا القول لا دليل عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه لأمته لا بقوله، ولا بفعله، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر‏.‏

* * *